جاري تحميل ... مدونة سعود قبيلات

إعلان الرئيسية

«إنَّ بعض الأماكن الضَّيِّقة المحكمة الإغلاق قد يكون فضاؤه بلا حدود، وبعض الأماكن المفتوحة والفسيحة قد يكون بالغ الضِّيق وبلا فضاء ولا آفاق، وبعض الأماكن الخالية قد يكون أكثر ازدحاماً من الأماكن المكتظَّة. وإنَّ الصَّمت قد يكون أكثر صخباً من الضَّجيج، والضَّجيج قد يكون خالياً من الأصوات. وإنَّ القامة قد تكون متطاولة إلى حدّ أنَّها بالكاد تبلغ نعل حذاء، وقد تكون عالية إلى حدّ أنَّها تطاول رؤوس السنابل». مِنْ كتابي الموسوم «كهفي» - سعود قبيلات.

إعلان في أعلي التدوينة

سعود قبيلات 
على هامش الهجوم الإيرانيّ على القاعدتين الأميركيّتين
تذرَّعت الولايات المتّحدة بمقتل «متعاقد مدنيّ» في قاعدة أميركيّة في العراق، لشنّ اعتداءاتها التي أثارت كلَّ هذا التوتّر الخطير في المنطقة.

والآن، عندما وفى الإيرانيّون بوعدهم وردّوا على الأعمال العدائيّة الأميركيّة ردّاً بليغاً، ها هم الأميركيّون يقولون: عاديّ؛ لم يُقتَل أحد مِنْ جنودنا!

إذا كان هذا هو المنطق الذي يحكم تعاملكم فعلاً، فكان عليكم إذاً أنْ تقولوا من البداية: عاديّ؛ لم يُقتَل سوى متعاقد مدنيّ، ثمّ إنَّنا نحتاج إلى إجراء تحقيق دقيق لنعرف مَنْ قتله.

ردود فعل المسؤولين الأميركيين، على الضربة الإيرانيّة المضادّة، فجر هذا اليوم، تثير الدهشة..

في البداية، اجتمع الرئيس دونالد ترامب ووزير خارجيّته ورئيس مجلس أمنه القوميّ، وسرعان ما انفضّ اجتماعهم مِنْ دون يدلوا بأيّ تصريح.

وقيل إنَّ الرئيس الأميركيّ سيدلي بخطابٍ بعد ساعة؛ لكن سرعان ما أُعلِنَ بأنَّ الخطاب أُلغي! وما لبث ترامب أنْ غرَّد قائلاً: «كلّ شيء جيّد، أُطلِقَتْ صواريخ مِنْ إيران على قاعدتين في العراق. نعمل على تقييم الخسائر والأضرار. كلّ شيء جيّد إلى حدٍّ بعيد. لدينا أقوى وأفضل جيش إعداداً في العالم... سأدلي بتصريح غداً صباحاً».

وفي ما يخصّ موضوع إحصاء الخسائر، فإنَّه تكرَّر أيضاً في تصريحٍ للبنتاغون، عقب الضربة الإيرانيّة، قال فيه إنَّه يُجري «تقييماً أوَّليّاً للخسائر»!

ومن الواضح أنَّ هذا كان تمهيداً لما سيليه ويُبنى عليه.

ومساء هذا اليوم، أدلى الرئيس ترامب بخطابٍ مقتضب، افتتحه بقوله إنّه لن يسمح لإيران بامتلاك سلاحٍ نوويّ. وهذا ليس جديداً وإيران نفسها لا تقول إنَّها تنوي أنْ تمتلك سلاحاً نوويّاً. وقال إنَّ الولايات المتّحدة لديها أسلحة متطوِّرة. وهذا معروف ولا يحتاج إلى تعريفٍ إضافيٍّ به. وقال إنَّه لدى الولايات المتّحدة الآن نفط وغاز يكفيانها ولا تحتاج إلى نفط وغاز الشرق الأوسط (منطقتكم لا تلزمنا). وفي ما يتعلَّق بالخسائر قال إنَّه (بقدرة قادر) لم يُصَب أحدٌ من الأميركيين في الهجوم الإيرانيّ. ولكنّه، في مجمل خطابه، لم يأتِ بأيّ كلمة عن احتمال الردّ على إيران.

على أيّة حال، سواء كَثُرَت الخسائر أم قلَّتْ (أم انعدمت، بحسب ما زعم الرئيس الأميركيّ)، فإنَّ الغطرسة الأميركيّة تلقّت لأوَّل مرَّةً لطمة قاسية بيد دولة مِنْ مستوى قوّة إقليميّة؛ فكيف لو كان الحال مع دولة عظمى؟!

لقد ولَّتْ بلا رجعة المرحلة التي كانت الولايات المتّحدة تُعربد فيها كما تشاء، وتضرب مَنْ تشاء متى تشاء، بلا احترام للقوانين الدوليّة وسيادة الدول على أراضيها، ومِنْ دون أنْ تتلقّى ردّاً مناسباً.

ومِنْ هذه الناحية، نحن بإزاء تطوّرٍ تاريخيٍّ كبير، سيتطلّب إعادة كلّ الحسابات في المنطقة وفي العالم. وأوَّل مَنْ سيضطرّ لإعادة حساباته هو «إسرائيل»؛ فإذا كانت راعيتها الكبرى تتلقَّى مثل هذه الصفعة الموجعة ردّاً على غطرستها ولا تردّ، فكيف سيكون الحال معها هي إذاً؟!

حرص الإيرانيّون على أنْ يكون ردَّهم القويَّ مشحوناً برموزٍ غنيّة ومعانٍ عميقة؛ إذ كان توقيت ضرب الصواريخ للقاعدتين الأميركيّتين هو التوقيت نفسه الذي كان قد تمَّ فيه اغتيال الجنرال قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس؛ وفي هذا الوقت نفسه أيضاً كان يُعرَض على التلفزة بثّ مباشر لمشهد دفن الجنرال سليماني في مسقط رأسه.. مدينة كرمان. وكان الجمع المشارك في الدفن يظهر في غبش الفجر كأطيافٍ قادمة مِنْ أسطورة ملحميّة قديمة.

في خطابه الأخير، قبل أيَّام، حدَّد أمين عامّ حزب الله، السيّد حسن نصر الله، المطلوب، وهو إخراج القوّات الأميركيّة من المنطقة، والباقي تفاصيل. وهذا ما أكَّده المسؤولون الإيرانيّون ومختلف أطراف «محور المقاومة».

فبعد الهجوم الصاروخيّ، أكَّد وزير الدفاع الايرانيّ، العميد أمير حاتمي، أنَّ «المطلب الأكبر للشعب الإيرانيّ هو إنهاء الوجود الاميركيّ في المنطقة».

وقال وزير الخارجيّة الإيرانيّ، محمّد جواد ظريف: «إنّ الولايات المتّحدة لن يكون لها مستقبل في المنطقة، وإنّ دماء سليماني وأبي مهدي المهندس، ستقطع أقدام أميركا من المنطقة».

وقد دعم المرشد الأعلى الإيرانيّ، علي خامنائيّ، هذا الموقف، بوضوح، فقال في خطابٍ له اليوم: «على القوّات الأميركيّة أنْ تغادر المنطقة».

وفي المقابل، بدا الانقسام واضحاً لدى الجانب الأميركيّ؛ حيث دعت رئيسة مجلس النوّاب الأميركيّ، نانسي بيلوسي، إلى «التوّقف عن الاستفزازات غير الضروريّة مِنْ جانب إدارة الرئيس دونالد ترامب». وبالطبع، لم تفوِّت الفرصة لتدعو «إيران لوقف العنف».

الولايات المتّحدة، الآن، في موقفٍ صعب؛ سواء ردّت أم لم تردّ؛ فإذا ردّت فهي لا تعرف كيف ستتطوّر الأحداث، وإذا لم تردّ فهي تخاطر بخسارة هيبتها.

بالطبع، لدى الولايات المتّحدة فائض من القوّة يمكنها به – إذا أرادت – إحداث دمارٍ كبير في إيران. ولكن، بالمقابل، لدى إيران العديد من الخيارات الخطيرة التي تستطيع أنْ تستخدمها لتقوية موقفها. وهكذا، فالمسؤولون الإيرانيّون يهدّدون بأنَّهم، إذا ما ردّت الولايات المتّحدة على ضربتهم، فسيقومون بضرب كلّ الأماكن التي يتمّ استهدافهم منها، ويلوّحون بضرب البوارج الحربيّة الموجودة بكثرة في المنطقة، وضرب المزيد من القواعد الأميركيّة. وأهمّ مِنْ ذلك كلّه، ضرب «إسرائيل».

يُلفِتُ النظر، هنا، أنَّ «إسرائيل» قد تحوَّلتْ مِنْ مخفر متقدِّم للإمبرياليّة العالميّة إلى رهينة تُبتَزُّ الولايات المتّحدة بها. وهذا أيضاً ينطبق على البوارج الأميركيّة والقواعد الأميركيّة في المنطقة التي كانت أصلاً قد جاءت إلى المنطقة لتثبيت قواعد الهيمنة الأميركيّة.

إضافة إلى هذا، ففي حال الردّ الأميركيّ، يُتَوقّع أنْ يشارك جميع أطراف «محور المقاومة» في المنطقة في الهجوم على الأهداف المعادية.

ولنتذكَّر أنَّ الحشد الشعبيّ العراقيّ لم يقم، حتَّى الآن، بالردّ على اغتيال قائده العسكريّ أبي مهدي المهندس، وأنَّ قوى المقاومة العراقيّة تمتلك الآن قراراً من البرلمان ومن الحكومة بإخراج القوّات الأميركيّة وقوّات التحالف الدوليّ المشارك لها.

باختصار، ما حدث حتَّى الآن ليس سوى بداية لمرحلة تحوّلات كبيرة، لا أحد يعرف تفاعلاتها بدقّة، ولا يمكن للمنطقة والعالم أنْ يكونا بعدها كما كانا قبلها.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال