جاري تحميل ... مدونة سعود قبيلات

إعلان الرئيسية

«إنَّ بعض الأماكن الضَّيِّقة المحكمة الإغلاق قد يكون فضاؤه بلا حدود، وبعض الأماكن المفتوحة والفسيحة قد يكون بالغ الضِّيق وبلا فضاء ولا آفاق، وبعض الأماكن الخالية قد يكون أكثر ازدحاماً من الأماكن المكتظَّة. وإنَّ الصَّمت قد يكون أكثر صخباً من الضَّجيج، والضَّجيج قد يكون خالياً من الأصوات. وإنَّ القامة قد تكون متطاولة إلى حدّ أنَّها بالكاد تبلغ نعل حذاء، وقد تكون عالية إلى حدّ أنَّها تطاول رؤوس السنابل». مِنْ كتابي الموسوم «كهفي» - سعود قبيلات.

إعلان في أعلي التدوينة

روبرت فيسك – الاندبندنت
الخميس 8 كانون الأوَّل 2016
ترجمة: د. هدى فاخوري ▣
حزن عائلة تبحث عن العدالة للكاتب الذي اُغتيل أمام قصر العدل الأردني
تبحث عائلة ناهض حتر عن تحقيق محايد لتفسير موته، بعد مقتل الصحفي على درج قصر العدل الذي ذهب إليه لحضور جلسة المحكمة بتهمة «ازدراء الأديان».

جريمة قتل ناهض حتر الصحفي المسيحي الأردني ليست مأساة فحسب، بل هي عار وجريمة ضد كل الصحفيين. هناك دليل قاطع على أن حكومة أخرى معتدلة ومدعومة من الغرب، لا تحمي حياة مواطنيها حينما يعتدي الإخوان المسلمون على المواطنين على أبواب المؤسسات.

أمر رئيس الوزراء الأردني بنفسه باعتقال ناهض حتر، وقُتل في ما بعد على أبواب قصر العدل وهو ذاهب بإرادته يبحث عن العدالة، في حين أننا نحن الغربيين نبحث عن العدالة بشكلها السطحي في ما يحدث في حلب، إلا اننا سهونا عن أو تجاهلنا هذا الكاتب المشاغب اللامع ذا المواقف الجدلية. لكن، علينا أولاً أن نرى ما كتبه ابنه المعتز ذو الـ ٢٧ عاماً ونستمع إلى ما قاله لي عندما زرته في بيته المتواضع في عمان عن اللحظات الأخيرة في حياة والده، وكيف أن رجال الشرطة الذين كانوا موجودين في ذلك اليوم مِنْ شهر أيلول أمام قصر العدل، وعددهم من ١٠-١٥ شرطياً، لم يقوموا بواجبهم عندما أُطلق الرصاص على ناهض حتر أمام قصر العدل.

شاهدوا الجريمة تُرتَكب بالقرب منهم ولم يقوموا بواجبهم بجدية.

دخلتُ إلى قصر العدل وكان شقيقي خلفي يسير مع والدي على درجات قصر العدل، يقول المعتز: سمعت ٣ أو ٤ طلقات فذهبتُ لأرى من أين أتى هذا الصوت، رأيت أبي على درج قصر العدل أما أخي فقد أمسك بالمجرم، وهكذا كنت لوحدي مع أبي، لم يرمش، فاعتقدت أنه فقد حياته، لم يتحرك أحد، لا أحد من رجال الشرطة «خارج قاعة المحكمة» تحرك، كان عددهم من ١٠-١٥ شرطياً.

لكن الآن علينا أن نروي القصة، بعد المأساة، كلما عرفت أكثر عن الحدث وعن مقتل ناهض البالغ من العمر ٥٦ عاماً أُصبِحُ أكثر غضباً.

كان ناهض حتر يُغضِب بعض الناس و«كان فردياً وقويّاً ويُثير بعضهم ويستفز مشاعر المتدينين المتعصبين مِنْ كل الأديان. علينا أن نعرف جيداً أن الحكومة الأردنية كانت تحاول أن تسترضيهم. وناهض كمسيحي يُعتَبر من الأقليات التي لا تزيد نسبتها عن ٦٪ مِنْ عدد السكان. كان يدعم الحكومة والجيش السوري وعلى رأي الصحفي «شارمن نارواني»، كان ناهض شخصاً صعباً ذا عقل فردي وجاد وكانت «جريمته» الأخيرة نموذجيّة منه.

جريمته هي أنه «شيّر» أو أعاد نشر كاريكاتير على صفحته في الفيسبوك، عن الجهاديين الإسلاميين تهين الخالق. لم يرسم ناهض الكاريكاتير وأوضح في تعليق له أن هذا ليس الله، ليس إله المسلمين، هذا رب داعش.

لكن بعد ساعات وضع الإخوان المسلمون على موقعهم الإلكتروني الرسم الكاريكاتوري معدلاً، وغيبوا تفسير حتر عن الصفحة حول الله الذي قال فيه: إن رب داعش ليس إله المسلمين. لكن، الحكومة الأردنية «المعتدلة» اتهمت حتر أنه قام بعمل يُعتَبر خارجاً عن القانون. ويتأثر عددٌ من الأردنيين بوسائل الاتصال الاجتماعي، كيف يستغلها الغربيون، فكتبوا على تويتر وفيسبوك مهددين حياة حتر شخصياً، ومنهم مَنْ طالب بتمزيق جسده وتقطيعه وبالأخص لسانه، وهناك مَنْ كتب على حسابه الشخصي باسمه الصريح، ولم تتحرك الحكومة ولم تفعل شيئاً لردعهم.

كان ناهض حتر قد اُعتُقِل بتاريخ ١٣ آب ٢٠١٦ وقد ضُرِب بالمعتقل، ولكنه صمم أن يدافع عن نفسه في المحكمة بتاريخ ٢٠١٦/٩/٢٥. في اليوم التالي لمقتله أصبحت صوره تلف العالم تحكي كيف سال دمه على درجات قصر العدل. قبل العودة لعائلته سنلقي الضوء على القاتل وهو «رياض اسماعيل أحمد عبد الله»، وبناء على معلومات مِنْ عائلة حتر فقد حارب القاتل في سوريا ضد نظام الأسد، وعندما عاد إلى الأردن عمل كمدني في وزارة التربية والتعليم وعمل أيضاً كواعظ في جامعين. لكن عائلة حتر تلوم كثيراً الناس المهمّين لمقتل ناهض.

قال شقيقه خالد، على سبيل المثال، وهو يستذكر كيف بعث هاني الملقي، «رئيس الوزراء»، برسولٍ إلى ناهض، يطلب منه وقف انتقاده له قائلا، توقف عن الكتابة عني، أنا لست سيّئاً إلى هذا الحد. لكن في شهر آب طلب مِنْ سلامة حماد، وزير الداخلية، اعتقال شقيقي واصفاً إيّاه بالشخص الخطر الهارب من العدالة، وقد اعتقلوا شقيقي دون مسوّغ قانوني، وبدأت بعض المجموعات المتدينة تعمل ضده وتتهمه بأنه هارب من العدالة.

اُعتُقِل شقيقي لمدة ٢٦ يوماً قبل المحاكمة، ورفضت المحكمة تكفيله رغم أن اعتقاله لم يتم بناء على أنه ارتكب جريمة. في القانون الأردني ليس ما قام به جريمة، بل جنحة.

بعد القتل مباشرة، وصفت الحكومة القاتل بالمجرم البشع وقالت إنَّها ستضرب بيدٍ من حديد كلَّ من يستغل الجريمة لبث الفرقة في المجتمع. لكن عندما طلبت العائلة الحماية لناهض حتر قبل المحاكمة عندما أفرج عنه من السجن، قال خالد: إن ضابطاً قال له «حسب معلوماتنا ليس هناك خطراً على حياته».. يستطيع أن يكتب اسمه على جبينه ويمشي في الشارع. ولكن جريدة السبيل* كتبت تاريخ المحاكمة على موقعها على الإنترنت.

المعتز ابن ناهض حتر خريج كلية الإدارة المصرفية وهو موسيقي أيضاً، كان يعمل مع أبيه في آخر أيامه كسكرتير، قال: إن والده أخبره أن رئيس الوزراء يريد تحطيم صورته، وقال أيضاً يريدون أن يغتالوا شخصيتي. وهذا مستوى جديد من الجريمة في الأردن، هكذا كانت كلماته.

كان هذا قبل خمسة أيام من زيارة الملك عبد الله «حفيد الرسول» لبيت العزاء. وقيل لنا إن والده الملك حسين كان يصل إلى بيت العزاء بعد ٣٠ دقيقة في مناسبات مشابهة. قال الملك عبد الله لعائلة حتر: إنه لم يكن يعرف تاريخ حياة القاتل، وأجبناه إنه كان قنبلة موقوتة تنتظر الانفجار. وأجاب الملك: لن نسمح لأي إرهابي بعبور حدود الأردن. طلبنا منه إجراء محاكمة عادلة، وقلنا له سنبلغك بالتفاصيل ولم نسمع جواباً حتى الآن، نطلب أن يُساءل رئيس الوزراء الملقي عن الجريمة.

قالت لي رنده، أرملة ناهض، لا نزال ننتظر أيَّ رد فعل من اللجنة التي وعد الملك بتشكيلها لمساءلة هؤلاء الذين فشلوا في القيام بواجبهم، ولكن لم نسمع شيئاً حتى الآن. قدّم السفير البريطاني واجب العزاء لعائلة حتر، وكذلك فعل السفراء، السوري والإيراني واللبناني. قال خالد: ناهض كان يهاجم الحكومة لأنَّها تسمح للإرهابيين مثل جبهة لنصرة وداعش بالعبور إلى سوريا، رندة أرملة ناهض تعتبر، أن كثيرين أساءوا فهم ناهض، كانت شخصيته مركبة ومختلفة وكان مميزاً ومعروفاً في الأردن والشرق الأوسط، كان بسيطاً ومحباً في حياته اليومية، وعندما سألتها لماذا تزوجت بناهض، أجابت ببساطة، لقد أحببته، كان شخصاً موهوباً وعميقاً، كان يكتب الشعر لحفيدته التي يحلم بها، كان جاداً جداً في عمله السياسي وكان يملك قلباً طيباً في حياته الشخصية.

ولكن، قد يكون أعمق تعبيرٍ عن الحزن سمعته من ابنه المعتز، حيث قال: كان أبي وكان أعز الأصدقاء، كنت أحس أنه ابني أيضا وكنت أرغب في حمايته والآن أحس أنني فقدت المسؤولية التي كنت أحملها، فقد كنت أترجم له لمدة سنتين قبل وفاته، كنت أحضر له الإفطار، وأعمل كسكرتير له، أحس أن الناس يتكلمون عن شخصٍ آخر وليس عن أبي.

عندما يعود إلى البيت بعد ظهوره في مقابلة على التلفزيون كان يحلل نفسه لي ثم يذهب ويُطعم العصافير ويقرأ الشعر وفي نفس الوقت يكون والدي جديّاً. وقد كتب لنا شعراً وهو في السجن.

لا يستطيع أحد أن ينكر دعم ناهض حتر لبشار الأسد رئيس سوريا، وكان قريباً مِنْ حزب الله، وقد أمضى سنوات في حياته كمحرر لصحيفة الأخبار. عندما زار موسكو في شهر تموز الماضي، زار بيت «دستويفسكي» وبيت «تولستوي»، وحضر أوبرا «بحيرة البجع» في مبنى «البولشوي».

هل كان يخشى الإسلاميين الموجودين على الحدود مع العراق وسوريا، إذ يُقدَّر عدد الأردنيين الذين انضموا لداعش بـ 2500، وقد هاجموا مفرزة أردنيّة وقتلوا ١١ جنديّاً أردنيّاً كما قتلوا بعضاً مِنْ رجال المخابرات في حزيران الماضي.

وهم المتهمون بمقتل ناهض حتر.   
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* «السبيل» هي الجريدة الناطقة باسم «الإخوان المسلمين» في الأردن.

وتالياً، رابط المقال في الاندبندنت:

http://www.independent.co.uk/voices/the-anguish-of-a-family-seeking-justice-for-writer-shot-outside-jordanian-court-a7463611.html
تعليق واحد
إرسال تعليق

  1. لقد اغتيل ناهض حتر الصحفي الأردني التقدمي، من قوى التخلف العميلة، لما أعطي من ثقافة ورؤية سياسية مستقبلية، تفضح العالم المخالف من العملاء والجواسيس، كان يحس ويعيش حتى الأعماق أزمة المنطقة العربية ومأساة شعبها ويعبر عنها، ويكشف أسبابها..

    ردحذف

إعلان أسفل المقال