جاري تحميل ... مدونة سعود قبيلات

إعلان الرئيسية

«إنَّ بعض الأماكن الضَّيِّقة المحكمة الإغلاق قد يكون فضاؤه بلا حدود، وبعض الأماكن المفتوحة والفسيحة قد يكون بالغ الضِّيق وبلا فضاء ولا آفاق، وبعض الأماكن الخالية قد يكون أكثر ازدحاماً من الأماكن المكتظَّة. وإنَّ الصَّمت قد يكون أكثر صخباً من الضَّجيج، والضَّجيج قد يكون خالياً من الأصوات. وإنَّ القامة قد تكون متطاولة إلى حدّ أنَّها بالكاد تبلغ نعل حذاء، وقد تكون عالية إلى حدّ أنَّها تطاول رؤوس السنابل». مِنْ كتابي الموسوم «كهفي» - سعود قبيلات.

إعلان في أعلي التدوينة

«بيان مبادئ» موجَّه إلى الشعب الأردنيّ وقواه الحيّة
صورة للمؤتمر الوطنيّ الأردنيّ الأوّل الذي عُقِدَ في "مقهى حمدان" في عمَّان في تاريخ 25 تمّوز 1928 
تحلُّ الذكرى المئويّة الأولى لتأسيس الدولة الأردنيّة الحاليّة في العام 2021؛ أي بعد أقلّ مِنْ أربع سنوات. ونسجِّل هنا أنَّه، رغم طول هذه المدّة، لا تزال السلطة الحاكمة في بلادنا، منذ ذاك وحتَّى الآن، تمدُّ يدها إلى الخارج لنيل المساعدات والديون، وتبحث في الداخل عن الفتات المتبقِّي في جيوب الفقراء.. لكي تواصل الحياة وتضمن الثراء الفاحش والعيش الباذخ لشرائح البورجوازيّة الطفيليّة، على حساب سيادة الدولة وحريّتها واستقلالها وتنميتها الوطنيّة؛ ولا يزال الشعب، منذ ذاك وحتَّى الآن، مغيّباً تماماً عن الاضطلاع بأيّ دور حقيقيّ في إدارة دولته؛ كما أنَّ الحياة السياسيّة التي كانت تتميَّز بالنشاط والمبادرة عند نشوء الدولة، أصبحت الآن شبه غائبة؛ والحياة الدستوريّة العصريّة الديمقراطيّة، التي كان يحلم بها الأجداد ويعملون مِنْ أجل تحقيقها، ما زالت حلماً عزيز المنال. بل إنَّ آخِر دستور أردنيّ تمَّ إقراره لا يمثِّل سوى عودة كبيرة إلى الوراء مقارنةً بدستور العام 1952 الذي أصبحت الناس تترحَّم عليه، رغم كل النواقص التي شابته؛ وطوال هذه المدّة المديدة، لم يحظَ الشعب سوى مرَّة واحدة بحكومة وطنيّة منبثقة مِنْ مجلس نيابيّ منتخب انتخاباً ديمقراطيّاً نزيهاً؛ أمّا سمة الأوتوقراطيّة (الحكم الفرديّ المطلق) التي يتَّسم بها نظام الحكم بصورة مزمنة، فلم يطرأ عليها جديد سوى أنَّها كانت في السابق مفروضة كأمر واقع قهريّ، وأصبحت مؤخّراً مفروضة بغطاء «دستوريّ» يتناقض مع روح الدستور ومقاصده ومع روح العصر وواقعه. ولذلك، فإنَّ مجمل السياسات الرسميّة، التي أُتُّبِعَتْ طوال عمر الدولة، يمكن إدراجه تحت عنوان رئيس واحد، هو إدارة الأزمة والدوران حولها.

وهذا في حين أنَّ العديد من الدول، رغم أنَّها نشأتْ بعد الدولة الأردنيّة بعقود، ولم تكن مواردها أكبر مِنْ موارد الدولة الأردنيّة، ولا عدد سكّانها ومستوى تحضّرهم أكبر، إلا أنَّها سرعان ما تجاوزتها بمستويات خياليّة، فحقَّقت تنميةً اقتصاديّة مزدهرة، وبنت مؤسَّسات حقيقيّة للحكم (وليس عمارات حسب)، وأرست قواعد متينة لإدارة الدولة على أسس حديثة، ولتداول السلطة، وتوسيع مساحة الحريّة والديمقراطيّة.

وعموماً، فإنَّ اقتراب الذكرى المئويّة لتأسيس الدولة الأردنيّة، يغري بِـ (بل يوجب) إجراء جردة حساب لواقعها الحاليّ الذي آلت إليه بعد كلّ هذه السنين الطويلة، على مختلف الصعد والمناحي:

 سياسيّاً: وُلِدت الدولة الأردنيّة، وترسّخت دعائم الحكم فيها، في خضمّ صراعٍ ضارٍ بين الطموح الشعبيّ الوطنيّ الديمقراطيّ الذي عبَّرت عنه بوضوح مقرَّرات «مؤتمر السلط» الذي عُقِد في 21 آب من العام 1920، و«مؤتمر أم قيس» الذي عُقِدَ في 2 أيلول من العام 1920. وفي مقدّمتها مطلب إقامة دولة وطنيّة مستقلّة ذات سيادة وديمقراطيّة، وبين مساعي الدول الاستعماريّة إلى خلق كيان سياسيّ تابع ومهمّش.

«بيان مبادئ» موجَّه إلى الشعب الأردنيّ وقواه الحيّة
صورة لمؤتمر السلط الذي عُقِدَ في تاريخ 21 آب 1920

وفي 25 تمّوز/يوليو من العام 1928، انعقد المؤتمر الوطنيّ الأردنيّ الأوَّل، ليرفع مستوى المواجهة السياسيّة بين القوى الوطنيّة الأردنيّة وبين سلطات الانتداب البريطانيّ وأدواتها وتوابعها المحليّة. وقد تبنَّى المؤتمر وثيقةً سياسيّة مهمّة تضمَّنت برنامجَ عملٍ كفاحيّ، نصّ، ابتداءً، على رفض المعاهدة الأردنيّة البريطانيّة، وحدَّد قواعدَ أساسيةً عصريّة وديمقراطيّة أرادها أنْ تكون حاكمة للنظام السياسيّ ولإدارة الدولة الأردنيّة. ولا يزال قسم أساسيّ مِنْ هذه القواعد يحتفظ براهنيّته وأهميّته حتَّى اليوم.. رغم مرور ما يزيد على تسعة عقود على إقرارها. وذلك لأنَّ جدول الأعمال الوطنيّ والديمقراطيّ، للدولة الأردنيّة، ظلَّ، منذ ذاك وحتَّى اليوم، معطَّلاً بصورة قسريّة بكوابح المصالح الأنانيّة الضيّقة للسلطة الحاكمة وارتباطاتها الخارجيّة.

وفي مطلع خمسينيّات القرن الماضي، تمَّ إلحاق الضفّة الغربيّة بالأردن، وكان هناك العديد من التحفّظات التي أُبديت على تلك العمليّة، لأنَّها أجهضت إمكانيّة تشكيل دولة فلسطينيّة مستقلّة، وقد عارضتها جامعة الدول العربيّة وكلّ دول العالم.. باستثناء العراق وباكستان وبريطانيا. بيد أنّ هذه العمليّة سرعان ما أصبحت أمراً واقعاً، وهو ما دفع الشعبين الشقيقين الأردنيّ والفلسطينيّ إلى توحيد جهودهما وقواهما لمواجهة المخطّطات المشبوهة التي تستهدفهما وتستهدف أمّتهما، وخصوصاً سياسة الأحلاف الإمبرياليّة. فأسقط الالتفاف الشعبيّ الواسع حول القوى الوطنيّة والتقدّميّة حلف بغداد. وبتأثيرٍ مِنْ هذا الإنجاز الكبير وفي مناخاته، تمَّ تعريب «الجيش العربيّ»، وأُجرِيَتْ أوَّل (وآخِر) انتخابات برلمانيّة نزيهة في البلاد، فازت بها القوى الوطنيّة والتقدّميّة، وشكَّلت أوَّل وآخِر حكومة وطنيّة منبثقة من البرلمان في تاريخ الدولة الأردنيّة كلّه، هي حكومة الرئيس الراحل سليمان النابلسيّ. ورغم الإنجازات المهمّة والعاجلة التي حقَّقتها تلك الحكومة، بل بسبب ذلك، لم تُعطَ الفرصة لتولّي الإدارة العامّة أكثر مِنْ ستَّة أشهر، فانقلب عليها الحكم، مدعوماً بقوى الاستعمار البريطانيّ وأعوانه، وزج القوى السياسيّة الحيّة في السجون، وشرد ناشطيها في المنافي، وحَكَمَ البلاد بالأحكام العرفيّة المشدَّدة طوال عقودٍ.

استمرّت السلطة العرفيّة بعد ذلك في تجريف الحياة السياسيّة، مِنْ خلال حظر الأحزاب، وتعطيل الحريّات الديمقراطيّة والعامّة في البلاد، وإدارة شؤون الدولة بعيداً عن مشاركة الشعب ورقابته.

مع نهاية ثمانينيّات القرن الماضي، شهدت الأوضاع الاقتصاديّة والماليّة للبلاد تدهوراً كبيراً أدَّى إلى تردّي الأحوال المعيشيّة لقطاعٍ واسع من المواطنين، وهو ما دفعهم إلى إعلان سخطهم المكبوت ضدّ الظلم والفساد والاستبداد.. بانتفاضة نيسان 1989 المجيدة. وفي أجواء الإحباط والانكسار الشديدة التي سادت المنطقة بعد العام 1991، استطاع الحكم الانقضاض على الإنجازات التي حقّقها الشعب بعد انتفاضة نيسان، فقام بحلّ المجلس النيابيّ الحادي عشر، وأصدر قانون انتخابات مؤقّت ذا طابعٍ تفتيتيّ هو «قانون الصوت المجزوء» سيّء الصيت الذي عُرِفَ بـ«قانون الصوت الواحد».

اقتصاديّاً: يعاني الاقتصاد الأردنيّ مِنْ أزمة بنيويّة ناجمة عن نهج التبعيّة السياسيّة للمصالح الاستعماريّة في المنطقة. فهذا النهج حال دون تمحور الاقتصاد حول المصالح الوطنيّة وحاجات الشعب. وبدلاً مِنْ ذلك، فُرِضَتْ على البلاد السياسات الاقتصاديّة الجائرة واللاوطنيّة لليبراليّة المتوحِّشة، وجرى حرمانها من استثمار مواردها للصالح الوطنيّ، وفرَّطت السلطة الحاكمة بكل المقدّرات والثروات الوطنيّة مِنْ خلال سياسة التخاصيّة، بل وسلَّمتْ جزءاً من هذه المقدّرات للعدوّ الصهيونيّ بوساطة معاهدة وادي عربة واتفاقيّة الغاز وقانون صندوق الاستثمار. كما أنَّ مؤسّسة الفساد ابتلعت كمّيّاتٍ هائلةً من المال العامّ.. بصفقاتها المشبوهة في مصانع الفوسفات والبوتاس والاسمنت وشركة موارد، وبرامج عصابات الكمبرادور والليبراليين الجدد التي تحيط بالسلطة الحاكمة.

وبالنتيجة، أصبح قوت المواطن الأردنيّ أسيراً لوصفات صندوق النقد الدوليّ، واقتصاد البلاد معتمداً على تسوّل القروض والمساعدات والجباية مِنْ جيوب الفقراء.. بشكلٍ دائم. وها هي الحكومة الحاليّة تقوم بفرض حزمة جديدة من السياسات الاقتصاديّة الجائرة، لتجعل المواطن محدود الدخل يدفع من جيبه الخاوي أثماناً إضافيّة للفساد والنهب والتخبّط الاقتصاديّ والفشل التنمويّ.

اجتماعيّاً وثقافيّاً: بعد ما يقرب مِنْ مائة عام على قيام الدولة الأردنيّة الحاليّة، نجد أنَّ السلطة الحاكمة، بسياساتها القائمة على التبعيّة والنهب والاستغلال والتمايز الطبقيّ الفادح وطبيعتها الأوتوقراطيّة، قد عملت طوال الوقت (ولا تزال) مِنْ أجل تعزيز الهويّات الفرعيّة المتشظِّية على حساب الهويّة الوطنيّة الجامعة، فسنَّت قوانين تفتيتيّة مثل «قانون الصوت المجزوء»، ووضعت العمليّة التعليميّة والتربويّة رهن تصرّف الجماعات السياسيّة (والمنفعيّة) المتاجِرة بالدين ورؤيتها التكفيريّة والطائفيّة والمذهبيّة، وجانَبَتها العدالة في توزيع مخرجات العمليّة الاقتصاديّة، وتخلَّت عن واجبها الدستوريّ ودورها الضروريّ في تأمين فرص العمل والتعليم والطمأنينة للمواطنين وجعل الضريبة على الدخل تصاعديّة.. وليست ملقاة على كواهل الفقراء ومحدودي الدخل.

يضاف إلى ذلك كلّه، أنَّها خلخلت البنية الاجتماعيّة، باستقبالها أعداداً كبيرة من اللاجئين مِنْ مختلف البلدان، وها هي تحاول توطينهم مقابل منافع ماديّة وسياسيّة للحكم على حساب مصلحة البلاد والمواطنين.

ومن النتائج الكارثيّة لتلك السياسات غير الوطنيّة وغير الديمقراطيّة، انتشار مظاهر العنف بكلّ أشكاله في المجتمع.. وخصوصاً في الجامعات.

أمام هذا كلّه، لم يعد بإمكان الشعب وقواه الحيّة السكوت على الحال الذي وصلت إليه الأمور، أو القبول بالحلول الترقيعيّة والتلفيقيّة الزائفة، وليس أمامنا سوى العمل مِنْ أجل تحقيق (وتأكيد) المبادئ الأساسيّة التالية:

أوّلاً: الشعب مصدر السلطات؛

ثانياً: لا مسؤولية مِنْ دون مساءلة، وكلّ صاحب مسؤوليّة خاضع للنقد والمحاسبة، وقراراته قابلة للرفض والمعارضة؛

ثالثاً: الولاية العامة يجب أنْ تكون للحكومة وحدها؛ والحكومة يجب أنْ تكون منبثقة مِنْ برلمان منتخب انتخاباً حرّاً ونزيهاً يحقّق التمثيل الصحيح للشعب، وتكون مسؤولة أمامه وحده؛

رابعاً: أرض الأردن وما فوقها وما تحتها ملكٌ للشعب الأردنيّ، وكلّ تنازلٍ عن أيّ جزءٍ مِنْها، بالبيع أو الرهن أو التأجير أو وضع اليد أو الاتفاقيّات الإقليميّة أو الدوليّة، إنَّما هو باطل؛

خامساً: أيّ دستورٍ أو قانون لا يراعي المصالح الوطنيّة للدولة الأردنيّة، ولا ينطوي روحاً ونصّاً على ضمان الحاجات الضروريّة للغالبيّة الشعبيّة الكادحة.. وخصوصاً حقوقها في التعليم بكلّ مراحله والصحّة والعمل والتوزيع العادل لمخرجات العمليّة الاقتصاديّة والدخل وتصاعديّة ضريبة الدخل، إنّما هو دستور (أو قانون) غير وطنيّ وغير ديمقراطيّ ولا يمثِّل سوى الفئة المحدودة المنتفعة به مِنْ ذوي السلطة والمال؛ 

سادساً: أيّ قانون انتخابٍ لا يكون مبنيّاً على قواعد التمثيل الصحيح للشعب الأردنيّ، ولا يضمن له انتخاب برلمان كامل الصلاحيّات الدستوريّة وغير قابل للحل مِنْ أيّ سلطة في الدولة سوى نفسه ولا تشاركه في صلاحيّاته التشريعيّة أيّ جهة غير منتخبة، إنَّما هو قانون يزيّف إرادة الشعب ولا يعبِّر عنها. وأي قرارات يتّخذها البرلمان المنتخب بموجبه، فإنّها تُعبِّر عن إرادة السلطة الحاكمة وحدها ولا تعبّر عن إرادة الشعب؛

سابعاً: الفصل بين السلطات مبدأ دستوريّ لا يجوز المساس به أو الالتفاف عليه؛ بل يجب تفعيله وتعزيزه.. بما يضع حدّاً نهائيّاً لتغوّل السلطة الحاكمة على السلطات الثلاث.. التنفيذيّة والتشريعيّة والقضائيّة، وانهاء مختلف أشكال التدخّل في قراراتها أو إمكانيّة حلّها وتغييرها، والتأكيد – بشكلٍ خاصّ – على استقلال القضاء وضرورة إلغاء جميع المحاكم الخاصّة والاستثنائيّة، لصالح جهازٍ قضائيٍّ مدنيٍّ واحد؛

ثامناً: اقتصاد الدولة يجب أنْ يتمحور حول المصالح الوطنيّة، وأنْ يلبِّي الحاجات الضروريّة للشعب، وأنْ يتَّجه إلى التنمية الشاملة، ويضمن توزيع الدخل والثروة وعوائد التنمية توزيعاً عادلاً، ويعتمد مبدأ الضريبة التصاعديّة؛

تاسعاً: العمليّة التعليميّة والتربويّة السويّة، التي تخدم المصلحة الوطنيّة، هي التي تقوم على إشاعة العقلانيّة وأساليب التفكير العلميّ في المناهج الدراسيّة وتخليصها من مخلّفات العصر الوسيط؛ واعتماد التفسير العلميّ للظواهر المختلفة؛ وتعزيز القيم الوطنيّة والإنسانيّة الرفيعة لدى الطلبة، وتعريفهم بتاريخهم الوطنيّ والقوميّ.. بدلاً من الاقتصار على تاريخ الحكّام وحدهم، وكذلك تعريفهم بأهمّ منجزات الإبداع الثقافيّ والفكريّ.. وطنيّاً وعربيّاً وإنسانيّاً، والارتقاء بذوقهم الفنّيّ والأدبيّ، وتنمية العقل النقديّ والتفكير الحرّ لديهم، وتقوية منعتهم الفكريّة في مواجهة الأفكار الغيبيَّة والظلاميّة التي تؤدِّي إلى إلغاء العقل وتدعو الى التطرّف والغلوّ وتؤسّس للإرهاب والكراهية وتكفير الرأي (والمعتقد) الآخر واستباحة دم أصحابه؛ وتخليص المدارس والمعاهد والجامعات مِنْ أساليب التعليم البالية التي تقوم على التلقين وإلغاء دور الطالب في العمليّة التعليميّة؛

عاشراً: كلّ اتِّفاقيّة (أو علاقة) مع العدوّ الصهيونيّ، وخصوصاً معاهدة وادي عربة سيِّئة الصيت وكلّ ما يرتبط بها مِنْ علاقات دبلوماسيّة واتفاقيّات وتعاقدات، إنّما هي باطلة ولا يُكسبها التزام السلطات بها وتوالي السنين عليها أيَّ شرعيّة وطنيّة أو شعبيّة؛ بل إنَّ مصيرها الإلغاء.. طال الزمن أم قصر، كما أنَّ مصير العدوّ الصهيونيّ نفسه هو الاندثار.. مهما تغطرس أو تجبَّر؛

حادي عشر: مشاركة السلطة الحاكمة في الأحلاف العسكريّة المشبوهة، التي تقودها الدول الاستعماريّة وترعاها، إنّما تتناقض تناقضاً حادّاً مع مصالح الدولة الأردنيّة ولا تجلب لها سوى الأضرار والمخاطر؛

ثاني عشر: مصلحة الأردن الحقيقيّة إنّما هي في الارتباط بالمشروع النهضويّ العربيّ التحرريّ الذي تتبلور معالمه مِنْ خلال موازين القوى الإقليميّة والدوليّة الجديدة، ومِنْ خلال الهزائم المتلاحقة التي تلمّ بالمخططات الاستعماريّة والإمبرياليّة وأتباعها وأدواتها في المنطقة؛
  
 ثالث عشر: الصراع الدائر بين الشعوب العربيّة وبين العدو الصهيونيّ هو الصراع المركزيّ للأمّة العربيّة (ومِنْ ضمنها بلادنا)، وإنَّ استعادة الأراضي العربيّة المحتلّة، وفي مقدّمتها الأراضي الفلسطينيّة، وإعادة الحقوق السليبة للشعب الفلسطينيّ، وفي مقدّمتها حقّه في العودة وتقرير المصير، هي العنوان الأساس لهذا الصراع؛

رابع عشر: نضال الشعبين الأردنيّ والفلسطينيّ، في مواجهة أطماع الكيان الصهيونيّ في الأردن وفلسطين ومساعيه إلى تصفية القضيّة الفلسطينيّة على حساب الشعبين الشقيقين ووطنيهما، إنَّما هو نضالٌ واحد؛

خامس عشر: وجود الكيان الصهيونيّ الغاصب في فلسطين، ومخطّطاته العدوانيّة، واتفاقيّاته مع السلطة الحاكمة وعلاقاته بها، إنَّما هي عقبة كأداء ما فتئت، منذ إنشاء هذا الكيان، تعترض طريق نضال الحركة الوطنيّة الأردنيّة السياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ، وتحول دون وصولها إلى أهدافها المشروعة. الأمر الذي يجعل نضال الحركة الوطنيّة الأردنيّة ضدّ الكيان الصهيونيّ نضالاً وطنيّاً أردنيّاً أصيلاً، وليس مِنْ باب المساندة فقط للشعب الفلسطينيّ الشقيق؛

سادس عشر: إنَّ مِنْ أهمّ واجبات الدولة حماية مصالح الأغلبيّة الشعبيّة من العمال والفلاحين وجميع المستخدمين في أجهزة الدولة المختلفة والقطاع الخاصّ ومحدودي الدخل، وضمان حقوقهم ضدّ تغوّل أرباب العمل ورأس المال، وتحسين أحوالهم المعيشيّة وظروف عملهم، وضمان حقّهم في الإضراب والعمل النقابي الحرّ؛

سابع عشر: التمييز ضدّ المرأة، بكلّ أشكاله وجوانبه، مرفوضٌ ويتنافى مع حقوق الإنسان ومع روح العصر وتطوّراته.

وأمّا بعد، فهذه مبادئ أساسيّة اجتهدنا في اقتراحها. ونطرحها، للنقاش والبناء عليها وتطويرها، أمام القوى الوطنيّة والشعبيّة الأردنيّة الحيّة.. مِنْ أحزاب وحِراكات سياسيّة واجتماعيّة ومطلبيّة فاعلة، بأمل أنْ تمثِّل خطوة أولى على طريق إعداد أساسٍ نظريٍّ صالح لتُبنى عليه الجهود الضروريّة الواجبة مِنْ أجل إقامة الجبهة الوطنيّة الشعبيّة الأردنيّة التي يُنتظر منها أنْ تكون رافعةَ نضال الحركة الوطنيّة الأردنيّة لإنجاز مهمّات برنامج التحرّر الوطنيّ (والاجتماعيّ) بمختلف بنوده وجوانبه.



وأخيراً، نقول إنَّ العالم تغيَّر كثيراً مِنْ حولنا في السنوات الأخيرة، وهو يتغيَّر يوميّاً.. بلا انقطاع، وإنَّ أسلوب الحكم الأوتوقراطيّ قد انتهى في الغالبيّة الساحقة مِنْ بلدان العالم. وبلدنا ليس جزيرة معزولة ليظلّ شعبنا محكوماً بهذه الطريقة التي لا تنتمي إلى العصر ولا تواكب تطوّراته.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال